حقوق الإنسان وتغيير المفاهيم
2011/12/11 حسين علي الحمداني
image حسين علي الحمداني
يمثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان انعطافة كبيرة في بلورة رؤية دولية متكاملة عن مفهوم هذه الحقوق وكيفية صيانتها، وبالمقابل يضع حداً لعدد كبير من الانتهاكات التي تعرضت لها البشرية في العقود التي سبقت هذا الإعلام الصادر عام 1948.
وندرك جميعا بأنه لا تتحقق مبادئ المواطنة المتساوية إلاّ في ظل الدولة الديمقراطية والتي يمكن أن توصف ايضاً بالدولـة المدنية، ذلك إن مفهوم المجتمع المدني بمعناه الواسع يشمل الدولة والمجتمع، ومفهوم المجتمع المدني بهذا المعنـى يقصد به المـجتمع الـذي تنظم فيه العلاقة بين الدولة والمواطنين على أساس القانون، وهو بهذا المعنى نقيض المجتمع العسكري والمـجتمع الديني والمجتمع القبلي والمجتمع العنصري، حيث تقوم العلاقات بين أفراده على أساس القانون لا على أساس التراتبية العسكرية او القبلية او التفويض الإلهي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلاّ في ظل انتشار ثقافة مدنـية قائـمة على المساواة والحرية والعدالة والاعتراف بالآخر والاحتكام الى القانون وحل الخلافات بالطرق السلمية.
وشهد العراق تطورات سياسة وقانونـية مهمة باتجاه تكريس حقوق الانسان ومبادئ وحقوق المواطنة المتساوية، بعد التغيير الشامل في التاسع من نيسان عام 2003، ولكن ظلت هنالك بعض المخلفات التي أدت إلى انتهاكات كثيرة وكبيرة في هذا الميدان أو ذلك خاصة ما يتعلق منها بحرية التعبير عن الرأي والتي تشكل أخطر خرق ممكن أن يحصل لحقوق الإنسان .
ولا يزال مبدأ تكافؤ الفرص في كل المجالات محدوداً جداً، وما زالت معوقات اجتماعية عديدة، والفساد لم تحقق جهود مكافحته سوى نجاحات محدودة جداً.
إنّ تــفعيل حقوق المواطنة لا يتم بمجرد إتمام التحول القانوني، ذلك إن المسؤولين عن إنفاذ القانون ما زالـوا متأثرين بتوجهات ثقافية تقليدية تتعارض مع ثقافة حقوق الانسان وحقوق المواطن ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يضمن للإنسان حقوقه كاملة، والعراق من الدول الموقعة على هذا الإعلان، هذا الإعلان العالمي الذي نحتفل بذكراه السنوية في العاشر من كانون الأول من كل عام، علينا ونحن نحتفل به هذا العام إن نطالب بتفعيله كواقع معاش وملموس وعدم السماح للقوى التقليدية بمحاولة منع نيل المواطنين حقوقهم التي كفلها الدستور العراقي والقوانين العالمية.
فضلاً عن ذلك فإن القوى التقليدية في المـجتمع بوسيلة او بأخرى تقاوم هذه التغييرات، أما القوى التقليدية في السلطة فإنها تعمل على تجزئة الإصلاحات وعدم تكاملها. ومن المتوقع ان يستمر تشوه التحول السياسي والقانوني والاجتماعي والاقتصادي، وان تظل المواطنة منقوصة ما لم تتـخذ إجراءات إصلاحية حقـيقية، فما هي الإصلاحات المطلوبة لاستكمال التحول وتصحيحه واكتمال مبادئ وحقوق المواطنة؟ المطلوب لتجاوز هذه الأوضاع يتمثل في اتـخاذ إجراءين هما: تمكين قوى التحديث من المشاركة الفاعلة في توجيه النظام السياسي، وإعداد وتنفيذ برنامج شـامـل للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، تحتـل فيـه الإصلاحات الاجتماعية والثقافية أهمية محورية، وذلك من خلال تشخيص جيد للتوجهات الثقافية التي تـعوق المساواة والعدالة والحرية،
وبالتـالي تصميم برامج للتغيير الثقافي وتنفيذها،وتوجيه مؤسسات التنشئة الاجتماعية (المدارس، وسائل الإعلام، منظمات المجتمع المدني) باتجاه تصميم برامج متلائمة مع متطلبات الثقافة المدنية المطلوبة لإعداد الجيل القادر على استيعاب المتغيرات من جهة وتكثيف العمل على بلورة فكرة تغيير المفاهيم الخاطئة المترسخة في أذهان البعض بما يضمن عدم خرق مفاهيم حقوق الإنسان أو التجاوز عليها أو محاولة الالتفاف وتجزئتها.