غزة- عبد الله التركماني
أجمعت شخصيات فلسطينية على أن طلب رئيس السلطة محمود عباس من الأمم المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967، "فيه ضياع لفلسطين التاريخية وحق العودة، وشطب للإنجازات الشعبية على مدار عقود من الزمن، ومخالفة صريحة لميثاقي الاستقلال عامي 1948 و1988".
وذكرت هذه الشخصيات التي تحدثت عن مخاطر هذا التوجه لـ"فلسطين"، أن السلطة تحاول إنقاذ نفسها من وحل المفاوضات التي استمرت مع الاحتلال لأكثر من 18 عامًا.
وكانت هذه الشخصيات ضمن مجموعة كبيرة -ضمت نحو 19 شخصية فلسطينية-، أصدرت بيانًا مؤخرًا يحذر من أضرار قرار الرئيس عباس التوجه إلى الأمم المتحدة لانتزاع اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية المستقلة.
مخالفة المواثيق
ويؤكد أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح بنابلس، د. عبد الستار قاسم، أن التوجه للأمم المتحدة لطلب اعتراف بالدولة على حدود عام 1967، يعني التنازل رسميًا عن قرار الأمم المتحدة 181 لعام 1947 والقاضي بإقامة دولة فلسطينية على 44% من مساحة فلسطين التاريخية.
وقال: "إذا كان رئيس السلطة محمود عباساً ذاهب إلى الأمم المتحدة لطلب اعتراف بالدولة الفلسطينية، فلماذا لا يطالب بتفعيل القرار 181 للأمم المتحدة، والحصول على 44% من مساحة فلسطين التاريخية".
وأوضح أن عباس يخالف بتوجهه هذا، إعلانين لميثاق الاستقلال الفلسطيني وهما إعلان ميثاق الاستقلال عام 1948 والذي ينص على إقامة حكومة عموم فلسطينية على كل الأراضي الفلسطينية، وإعلان ميثاق الاستقلال عام 1988 الذي ينص على إقامة دولة وفق قرار تقسيم 181 الأممي.
وأضاف: "هذه بحد ذاتها مشكلة في قيادة السلطة الفلسطينية، وهي مخالفة المواثيق التي يكتبونها هم بأنفسهم"، مؤكدًا أن هذا الطلب سيعقبه تبعات خطيرة جدًا على مستقبل الشعب الفلسطيني وقضية اللاجئين.
واعتبر قاسم أن هذه الخطوة التي تتبعها السلطة "لا ضرورة لها ولا حاجة إليها، والسلطة باتت لا تجد ما تفعله بعد تورطها في مسيرة تفاوض دامت 18 عامًا، وربما وجدتها وسيلة لاستقطاب الناس من جديد وإعطائهم جرعة أمل لإقامة دولة ولكن مخاطر هذا الأمر كثيرة، وفي كل مرة توهم السلطة المواطنين أن شيئا إيجابيًا سيحدث ولكن لا فائدة".
وبخصوص حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وموقعه من طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية، قال قاسم: "وفق قناعاتي، فإن الطرف الذي وافق على اتفاقية أوسلو تنازل عمليًا عن حق اللاجئين في عودتهم إلى أراضيهم التي هاجروا منها عام 1948، لأن الذي يعترف بكيان (إسرائيل)، لا يمكنه أن يطالب بعودة 60% من الشعب الفلسطيني إلى دياره وأرضه".
وتابع: "لنفترض جدلًا وتم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، هل ستستطيع هذه الدولة أن ترغم دولة أخرى على احتواء لاجئيها؟! لن تستطيع السلطة أن تطلب إعادة لاجئ واحد إلى قريته أو مدينته التي هاجر منها في النكبة الفلسطينية".
وبيّن أنه ومنذ اتفاقية أوسلو والجهات الدولية التي تساعد اللاجئين، تسعى لجعلهم مسئولية الفلسطينيين، الأمر الذي يؤكد أنها ستختفي عن الوجود في حال تم الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
ولكن في حال اختفائها، كيف سيكون حال اللاجئين؟، يجيب قاسم: "عندما تختفي سيكون على الدول التي تستضيفهم ترحيلهم إلى دولتهم الجديدة مع امتناع دولة الاحتلال استيعاب أي لاجئ في كيانها، وفي المقابل أيضًا (إسرائيل) أكدت في أكثر من مناسبة أنها لن تسمح بدخولهم إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة حفاظًا على التوازن الديموغرافي في المنطقة".
تنازل وتفريط
من ناحيته، قال رئيس مركز دراسات المشرق العربي في الداخل المحتل د.عادل سمارة: "إن هذا الطلب الذي يقوده عباس يعني بشكل واحد التنازل عن حدود عام 1948، وهذا هو الهدف الأساسي منه هو تثبيت اعتراف السلطة بـ(إسرائيل) ككيان قائم على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها عام 1948".
واتفق سمارة مع من سبقه في المخاطر التي تنتظر الشعب الفلسطيني من هذا التوجه، وأول هذه المخاطر بحسبه هو شطب حق عودة اللاجئين، وتغيير مفهوم المواطن الفلسطيني بأنه هو الذي يعيش في الضفة الغربية وقطاع غزة، ما يعني أيضًا شطب مسمى "فلسطينيي الداخل".
وأضاف إلى جملة المخاطر السابقة أن هذا التوجه سيكون سببًا جديدًا لاندلاع نزاعات وخلافات داخلية جديدة مع الأحزاب الذين لن يقبلوا الوقوف صامتين أمام ضياع حق العودة، مبيّنًا أن هذه الخطوة "ليست ضد سياسة المفاوضات مع الاحتلال التي اتبعتها السلطة منذ عام 1993، وإنما مكملة لها وهي درجة ثانية من التفاوض ولكن تم تزيينها وإخراجها فنيًا".
وقد سبق توجه السلطة إلى الأمم المتحدة، مرحلة قادها رئيس حكومة رام الله سلام فياض لتعزيز مفهوم الدولة الفلسطينية الاقتصادية، عبر الحديث المستمر عن النمو الاقتصادي في الضفة الغربية وانتشار المؤسسات الاقتصادية، الأمر الذي يراه د. سماره منافياً للحقيقة والواقع الفلسطيني.
وقال: "لا يوجد أي إمكانيات لقيام الدولة الفلسطينية بالشكل الذي يكفل حياة كريمة للمواطنين، ولا يوجد قطاعات إنتاجية"، لافتًا النظر إلى أن انتهاج السلطة لتفويق قيم المفاوضات على قيم المقاومة أدى إلى نتائج خطيرة.
وأضاف: "هذه السلطة لا تستطيع صرف رواتب موظفيها، ولا تملك مواقع إنتاج، فكيف ستقيم دولة؟"، مؤكدًا أن الحل الأمثل والبديل للوصول إلى ذلك هو رفض إتباع سياسة المفاوضات والتركيز على سياسة التحرر من الاحتلال عبر إتباع الأساليب الصحيحة لذلك.
وتابع: "يجب أن نقتنع أن هذا صراع طويل مع الاحتلال، بحاجة إلى مقاومة واتباع أساليب اتبعها الشعوب من قبل في عملية تحرير أراضيهم من المحتل، لا الاستمرار في اتباع نهج المفاوضات.
ذوبان الإنجازات
من جهته، يتفق الكاتب والإعلامي الفلسطيني نضال حمد من النرويج، مع سابقيه في أن إصرار عباس على الخوض في طلبه من الأمم المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية "يؤكد على شرعية وجود (إسرائيل)، ونسيان أراضي عام 1948 بشكل كامل".
وقال: "هذا الطلب يعني أن إنجازات الشعب الفلسطيني وتضحياته منذ عام 1967 وحتى يومنا هذا ذهبت هباء، بسبب مطالبة عباس بـ22% من الأرض الفلسطينية وهي الأراضي التي تعرف بالمنطقة (أ)".
واعتبر حمد خطوة السلطة هذه "محاولة بائسة من عباس وفريقه بعد وصوله إلى طريق مسدود في المفاوضات مع الاحتلال، ويريدون إقحام الشعب في مغامرة ومخاطرة جديدة"، مشيرًا إلى أن هذه المخاطر تتمثل بضياع حق العودة وبقاء الحصار المفروض على غزة.
وعن مصير اللاجئين الفلسطينيين في حال الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ قال إنه "مصير مجهول"، مطالبًا بوجود موقف فلسطيني شعبي حازم من مغامرات السلطة بمستقبل القضية الفلسطينية.
وشدد الكاتب والإعلامي الفلسطيني على ضرورة تحقيق الوحدة الداخلية بين صفوف الشعب الفلسطيني على أساس الحفاظ على الثوابت والحق في المقاومة.
كما طالب بـ"تحرير" منظمة التحرير الفلسطينية "من المجموعة التي تتحكم بالقرار الفلسطيني ويتحدثون بالنيابة عن الشعب، وإعادتها إلى الأهداف التي تأسست من أجل تحقيقها، وفق قوله.
وأضاف: "هناك قوى وفصائل فلسطينية غير مشاركة في منظمة التحرير وهي قوى فاعلة وصاحبة شعبية وجمهور كبير، لذلك يجب إدخال هذه الفصائل لأنها تمثل جمهوراً فلسطينياً كبيراً وعدم إهمال سياساتها".